random
أخبار ساخنة

نقد رواية عالم صوفي للمشروع الوطني للقراءة

الصفحة الرئيسية
 من المعروف ان علم الفلسفة والمنطق من اصعب المواد التي يسهل فهمها عند القارئ العادي ، لذلك سنتناول اليوم في هذه المقالة رواية من افضل الروايات التي ستجعل من موضوع الفلسفة موضوعا شيقا وسهل الفهم فتابعوا معي نقد رواية عالم صوفي لنسهل على المشاركين في المشروع الوطني للقراءة كيفية عرض وتفصيل ونقد الرواية. 



 
نقد رواية عالم صوفي




تخيلوا معي هذا المشهد أم وأب، وطفلهم الصغير، يتناولون وجبة الإفطار، وبينما كانت الأم منشغلة عنهم لإحضار الطعام، حلق الأب في الهواء، وصار يطير أمام عين هذا الصغير، هل سيندهش الطفل بعد ما رأى ابيه يطير في الهواء ، وماذا ستكون ردة فعل امه اذا رأت زوجها يطير في الهواء؟ هذا سنكتشفه في مراجعة رواية عالم صوفي للكاتب النرويجي جوستين جادر.

 بلا شك سيفاجئ الطفل هذا المشهد ويدهشه، لكن استغرابه لن يكون فائق الحد، لأنه يرى والده وهو يقوم بأعمال غريبة كثيرة، يحلق ذقنه، يتسلق السطح وغيرها من الأفعال، وتحليقه في الهواء، قد يكون واحدا من هذه الأشياء أيضا.

لكن لو أن الأم سمعت الطفل وهو يقول بابا يطير والتفتت، ووجدت الأب معلقا بالفعل في الهواء، كيف سيكون موقفها؟ ستصرخ وقد يغمى عليها، لماذا؟ لأن الأم تعلمت أن الناس لا يستطيعون الطيران، ونحن اعتدنا على قوانين الطبيعة، وصارت بالنسبة لنا طبيعية، وفي حكم الحتمية.

الطفل الفيلسوف

لذلك حتى مشهد القمر، وهو معلق في السماء، لا يثير بالنسبة لنا أي دهشة أو لغز يستحق التأمل والتفكير، لقد فقدنا الدهشة التي ما زال الأطفال يحتفظون بها، لأنهم لم يعتادوا على العالم، فكل ما فيه جديد بالنسبة لهم، وهنا يشترك الفلاسفة مع الأطفال.

لأن الفيلسوف هو أيضا إنسان لم يتعود على العالم، ويظل العالم بنسبة له لغزا يدعو للتساؤل المستمر، وهذا ما يحاول الفلاسفة إيقاظه فينا ،ألا نقبل العالم كحتمية، وهو ما يدفعهم لأن يخضعوا كل شيء للسؤال حتى وجودهم من الذي يثبت أنني موجود بلحمي وشحمي، ولست أحلم مثلا؟ وإذا ما أردت أن أعرف الفيلسوف بعبارة سأقول، هو الذي لا يتوقف عن السؤال، ولا يضع حدا لأسئلته.

فكرة الرواية

كتاب عالم صوفي هو رواية تحكي تاريخ الفلسفة منذ عصر طاليس الذي يقال أنه أول من تنبأ بكسوف الشمس سنة 585 قبل الميلاد إلى عصرنا الحاضر، يعني قرابة ال3000 سنة، وكما يقول الماني يوهان جوتا، الذي لا يعرف أن يتعلم دروس ال3000 سنة الأخيرة يبقى في العتمه.

كنت سمعت بهذه الرواية من فترة طويلة جدا، وأنها قد بيعت منها 1,000,000 النسخ، وترجمت لأكثر من 50 لغة، وأنها جيدة للمبتدئين في الفلسفة وللأمانة، كنت متردد بعض الشيء بخصوص ذلك لأني كنت أتوقعها، رواية تاريخية.

والرواية التاريخية هي اللي يعتمد فيها الروائي على حدث تاريخي فيعيد صياغة هذا الحدث، أو يضعه في قالب قصة، وما يتقيد بتفاصيلها، اى انه يضيف عليها بعض الأحداث من عنده، ويفترض أحداثا معينة مثل بعض المسلسلات والأفلام التاريخية ، وأنا شخصيا ضد أن يعتمد الإنسان على هذه الاعمال كمصدر للمعلومة.

لكن رواية عالم صوفي ليست كذلك،فالمؤلف لم يتدخل في حكاية تاريخ الفلسفة، ولم يضف أحداث من عنده فما ذكره هنا هو ما ستجده في كتب تاريخ الفلسفة ، فما الذي فعله إذا؟ إذا كان نقل تاريخ الفلسفة؟ الذي فعله أنه وضع هذا التاريخ ضمن قصة فتاة اسمها صوفي.

ملخص الرواية

اقتربت صوفي من يوم ميلادها الخامس عشر ووصلها مظروف على صندوق بريدها من رجل لم تكن تعرفه اسمه البرتو يحمل سؤالان من أنت؟ من أين جاء العالم؟ أسئلة قد تبدو بديهية، لكن مرة أخرى لا بداهة عند الفلاسفة فكل شيء خاضع للسؤال.

وبعد هذا البريد تواردت عليها رسائل أخرى من نفس الرجل، كان يعطيها دروسا في الفلسفة، يشرح لها ما هي الفلسفة، من هو أول فيلسوف نعرفه، ثم بعد ذلك صارت تلتقي به وتأخذ الدروس منه مباشرة، وكان ينتقلون من فيلسوف إلى آخر.

فالقصة تكمن هنا بين هذا الرجل إلذي كان يعلمها الفلسفة، وبين الفتاة ذات الخمسة عشر عاما، فالسرد لا يتدخل في تاريخ الفلسفة نفسه، فالدروس التي كانت تتعلمها الفتاة من هذا الرجل هي التي ستتعلمها لو قرأت أي كتاب في تاريخ الفلسفة.

لكن وضعها بهذه الطريقة كقصة بين رجل يعلم الفلسفة لفتاه صغيرة في السن جعلها ممتعه وغير جامدة لأن الحديث، لم يكن موجه من طرف واحد كان على شكل تفاعلي، وكانت هذه الفتاة تسأل وتعترض بأسئلة واعتراضات قد تراودك أنت فيحاول معلمها توضيحها لها بأمثلة.

مؤلف الكتاب جوستين جاردر هوأصلا أستاذ في الفلسفة فهو يعرف غالبا الأسئلة التي قد تدور في ذهن القارئ، وللأمانة ما كنت أتوقع الرواية ستغطي كل هذه الأفكار بدء من فلاسفة ما قبل سقراط، بدءا من طاليس تم سقراط، وافلاطون وأرسطو.

ثم القرون الوسطى، والفلاسفة العقلانيين، و التجريبيين ستتعرف معه على ديكارت ، سبينوزا ، هيوم ،كانت ووصل حتى إلى ماركس، ودارون وفرويد، بل إلى سارتر المتوفى سنة 1980 يعني قبل نشر الرواية بعشر سنوات؟ لأن الرواية نشرت في 1991.

صحيح أن هناك بعض الاختزال والاختصارالمبسط ، فعلى سبيل المثال أنا قرأت في تاريخ الفلسفة كتاب حلم العاقل، تاريخ الفلسفة من عصر اليونان الى عصر النهضة لأنتوني جوتليب كلهم بدأوا من نفس النقطة من طاليس والفلاسفة الثلاثة.

في عالم صوفي تحدث عنهم في صفحتين ونصف، بينما في كتاب حلم العاقل تحدث عنهم في 20 صفحة تقريبا، ولكن هذا طبيعي، لأن عالم صوفي سردت تاريخ الفلسفة إلى عصرنا الحاضر، بينما حلم العقل انتهى عند ديكارت، وعصرالنهضة في القرن السابع عشر وألف كتاب آخر من عصر النهضة إلى العصر الحاضر.

ولكن مع ذلك هي رائعة، ومناسبة جدا كمدخل للمبتدئين في الفلسفة، وستمر على أبرز الفلاسفة وتتعرف على أفكارهم الرئيسية، وأيضا هي حتى لغير المبتدئين، استفدت كثيرا منها واستمتعت مع إني قرأت في الفلسفة قبلها.

وليس بالضرورة أن تفهم كل شيء من الطبيعي أن تواجه صعوبة في فهم بعض الأفكار، لكن حتما ستخرج منها بفائدة، وأهم فائدة يمكن أن تخرج بها هي أن تعرف أنك لا تعرف، وهذا ما كان يقوله سقراط "الشيء الوحيد الذي يعرفه، هو أنه لا يعرف"  فمتى ما توهم الإنسان أنه يعرف توقف عن البحث والسؤال، ووقع حينها في الجهل المركب.

اهم أفكار الرواية

هناك فكرة مهم أن نعرفها، لما نقرأ في تاريخ الفلسفة أو حتى لما نقرأ أي كتاب قديم وأشار لها المؤلف في فلسفة هيجل وهى أننا يجب أن نضع في الاعتبار السياق التاريخي لهذا الفيلسوف أو الفكرة ستطلع على أفكار تستغرب كيف تقبلها الناس لأنك تحكم عليها من خلال وضعك الزمني والمكاني.

بينما قد تكون هذه الأفكار كانت بمثابة النقل الفكرية في ذلك الوقت، ولذلك يرى هيجل بأننا لا نستطيع أن نحكم على تلك الأفكار بأنها كانت صحيحة اوخاطئة، وماتدري فلعل أفكارك اليوم إلى يلعنك عليها المستقبل، وتسألون كيف تقبلناها، لذلك حتى لو نُقضت بعض الأفكار وتجاوزها الزمان.

نقد الرواية

الرواية تقع في 542 صفحة تمنيت لو ان المترجمة تضع المقابل لكل مصطلح في اللغة الإنجليزية، بحيث يسهل البحث عنها لمن أراد أن يتوسع حول بعض الأسماء لاني لاحظت إنها تنقل العربية أحيانا بشكل خاطئ.

أنا ضد تقييم هذا الكتاب كرواية، لأن لو حكمت بمعايير الرواية والقصة سنظلم الكتاب ، فميزة الكتاب ليس في القصة، لكن في قدرته على تبسيط تاريخ الفلسفة في سياق قصة بين المعلم وتلميذه، لذلك من يريد أن يقرأ هذه الرواية بحثا عن قصة ورواية ما أنصحه بها، لأنها تقرأ للتعرف على تاريخ الفلسفة كما ذكرت.

وأعجبني جدا توظيف فلسفة بيركلي حيث كان يرى بأن كل تصوراتنا في العالم سببها أرواحنا، وكل هذه الإدراكات تأتي من عالم آخر، أو من الله، بمعنى أنه ينكر أي وجود مادي، وكل هذا العالم هو موجود في أذهاننا فقط، أو أرواحنا.

وظفها المؤلف لما جعل صوفي وأستاذها يكتشفون إن كل حياتهم والدروس الفلسفية التي كانت تجري بينهم هي في الحقيقة من خيالات رجل ميجر اسمه البرتناج كتب هذه القصة لابنته كهدية لعيد ميلادها، فكانت صوفي ومعلمها مدركين لهذا الشيء.

ورغم محاولاتهم أن يتمردوا على الكاتب، لكن في النهاية حتى اكتشافهم ومحاولاتهم هي خيالات الكاتب التي كتبها في القصة التي أهداها لابنته، لدرجة أنها وجدت كتاب عالم صوفي الذي يحمل قصتها وطبعا مرة أخرى هو ما تخيل أنها وجدت هذا الكتاب.

يعني تخيل لو وجدت في مكتبتك كتاب بعنوان عالم ثم اسمك عالم سامي أو خالد أو شهد ثم قرأت في حياتك اللي كنت تتوهمها حقيقية وبكامل حريتك وإرادتك لتكتشف بأنك مجرد شخصية خيالية في كتاب أو رواية فكرة مجنونة للأمانة ،وتخيل إنك أيضا وجدت في هذا الكتاب أنك كنت تقرأ مراجعة لرواية عالم صوفي على موقع مدرستنا ثم تركت تعليقا وشاركتها لأصدقائك وانضممت لموقعنا من هنا  او من هنا

اقتباسات

نحن اولئك الممثلون الذين دفع بهم المسرح ، دون اعطائهم دورا محدداً ، دون مخطوطة في اليد ، ودون ملقن يهمس لهم بما عليهم ان يفعلوا ، ان علينا وحدنا ان نختار كيف نعيش حياتنا ، اذ سنكون خائفين لو اكتفينا بأن نفتح كتابا مقدسا ، أو احد كتب الفلسفة لنعرف كيف يتوجب علينا أن نعيش


الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة, يبقى في العتمة

كلما اقتربنا من مدخل الكهف، كلما اقتربنا من أصل كل ما هو موجود
google-playkhamsatmostaqltradent