random
أخبار ساخنة

نقد كتاب كيف نقرأ الأدب لتيري ايجلتون

الصفحة الرئيسية
ما الفرق بين قراءة الروايات وقراءة غيرها من الكتب؟ هل قراءة مثلا رواية انقطاعات الموت مثل قراءة كتاب قلق السعي إلى المكانة؟ و هل قراءة خبر في جريدة أو تقرير إخباري تختلف عن قراءة رواية أو قصيدة أو مسرحية؟ يعني ما هو العنصر المختلف في الأدب عن غيره من الكتب؟ على أي أساس نحكم على رواية أو أي عمل أدبي بأنه جيد أو رديء؟ القيمة الأدبية ما الذي يحددها ؟ كتابنا اليوم يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة؟



نقد كتاب كيف نقرأ الأدب



مع أن الكتاب يشرح لنا كيف نقرأ الأدب، إلا أننا سنجده أيضا يجيب عن سؤال لماذا نقرأ الأدب؟ لكن قبل أن استعرض هذا الكتاب، سأحذرك من ورطة وقعت فيها، فالكتاب محتشد بالإحالات تتجاوز المائة احالة، وإذا كنت مصابا بالفضول مثلي، وعند كل عنوان تقع عليه تبحث عنه وتشتريه وتقرء بعضه، فسينتهي بك الحال إلى أمرين، أولا ستفلس، وثانيا لن تنتهي من قراءة الكتاب إلا بعد أمد.

نبذه عن المؤلف تيري ايجلتون 

وُلد تيري ايجلتون في في 22 من شهر فبراير 1943 في سالفورد بمقاطعة لانكشاير الانجليزية لأسرة كاثوليكية ايرلندية تنتمي الى الطبقة العاملة تمتد جذورها في عمق مقاطعة غالواي، حيث تلقى دراسته الاولية في مدرسة لاسال كويج، والتحق بعد ذلك بكلية ترنتي في كيبردج حيث حصل منها على شهادتى الماجستير والدكتوراة.

في العام 1964 اصبح زميل في كلية ياسوع بكيمبردج منذ القرن الثامن عشر ، وفي سنة 1969انتقل الى اكسفورد ومارس التدريس في كلية وادهام  حتى عام 1989، وفي كلية لينكاري حتى عام 1993،ثم انتقل ايجلتون عام 2001 من مدينة اكسفورد ليلأخذ كرسي جوان ادوارد تايلور في النظرية الثقافية في جامعة مانشيستر.

عنوان الكتاب

قبل أن استعرض فصول الكتاب التي تقع في 250 صفحة، سأقف قليلا عند العنوان، كيف نقرأ الأدب، فما يعنيه إيجلتون بالقراءة هنا هي القراءة التحليلية التي يسميها نيتشه القراءة البطيئة، ويمارسها طلاب الأدب والنقد، وليست القراءة التي أقوم بها أنا وأنت وعموم القراء.

ولذلك فالعنوان الأدق لموضوع الكتاب هو كيف نقرأ الأدب قراءة تحليلية أو نقدية، ولقد حرصت على توضيح هذه النقطة حتى لا يحبط القارئ، إذا قرأ الكتاب ظنا منه بأنه موجه له، بينما هو في المقام الأول موجه لطلاب الأدب في القراءة التي يقدمها ايجلتون هنا. نوع أو مستوى آخر من مستويات القراءة.

لا، يعني، وهذا رأيى الشخصي، أن من لا يقرأ الأدب بنفس الطريقة، فهو لم يقرأ الأدب، وكأن القراءة حصر على هذه القراءة التحليلية، فهذا إقصاء لمعنى القراءة، والأمر أشبه بأن تقع على كتاب كيف تشاهد مباريات كرة القدم؟ وإذا تصفحت الكتاب، وجدته يشرح الخطط الهجومية والدفاعية 442 و253، وتحركات المحور، والجناح والظهير، هذا لا يعني أن من لا يشاهد كرة القدم بهذه النظرة التحليلية لم يشاهدها، لكن هذا مستوى آخر من المشاهدة أو القراءة.

هدف الكتاب

هذه القراءة التحليلية للأعمال الأدبية هو فن يقترب من الموت، ومعرض لخطر الاندثار، بحسب رأي اجلتون، وهو يسعى في هذا الكتاب الى انقاذه وتصحيح الفكرة التي ترى ان التحليل عدو المتعة، من خلال شرح بعض الادوات والمفاهيم والقضايا التي استعرضها في خمسة فصول.

الافتتاحيات

في الفصل الأول بعنوان الافتتاحيات ، هو مدخل جميل بدأ به إيجلتون الكتاب اعتنى فيه بعنصر اللغة في الأدب واللغة، في اعتقاد ربما هي أهم يميز النص الأدبي، لأن الشكل الأول أسلوب لا يقل أهمية عن المضمون في الأدب. يعني اللغة في العمل الأدبي، كما يقول المؤلف ليست مجرد وسيلة، بل هي تؤسس لتجربة القارئ، أو المتلقي.

مثال

على سبيل المثال في سورة الضحى، وأن سأحرص على الاستشهاد بنصوص أدبية نعرفها حتى نقرب أفكار المؤلف، لأن استشهاداته، خصوصا في هذا الفصل، لا يمكن فهمها إلا بقراءة النصوص الإنجليزية الأصلية، ولذلك أحسن المترجم حينما أبقى النص الأصلي قبل ترجمته.

عموما في سورة الضحى التي قيل في سبب نزولها أن الوحي انقطع عن النبي فترة، فقال بعض المشركين مع أرى صاحبك إلا قد قلاك، وما أرى شيطانك إلا تركك، فهُم النبي لذلك، فنزلت } والضحى، والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى{.

أود أن تلاحظ كيف تتناسب قافية الأعياد شكل النص مع مضمونه الذي يواسي النبي ويطمئنه، }ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى{ لكننا إذا أكملنا قراءة سنلاحظ اختلاف شكل النص حينما تحول مضمونها من المواساة الى الأمر،} فأما اليتيم فلا تقهر{.

اختلفت قافية الآيات من الألف الممدودة فآوى فهدى، فأغنى التي تناسب السلوان إلى الراء الساكن القاطع التي تناسب الأمر، }فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث { وكان هذا التحول في الشكل متناسبا مع المضمون، وهو مما يناقشه النقاد في تحليل النص الأدبي.

فاختلال الإيقاع الإيقاع الصوتي، مؤثر في انتباه القارئ، وتأثير هذا الشكل واللغة في النص الأدبي قد لا يدركه القارئ في وعيه، لكنه يشعر به في تجربته عند قراءة النص، وهذا ما يعنيه المؤلف حينما قال أن اللغة في العمل الأدبي ليست مجرد وسيلة، بل هي تؤسس لتجربة القارئ أوالمتلقي.

يعني مثلا حينما اختارت جيكي رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر للشخصية الشريرة اسم فولدمورت لم يكون هذا عبثا فالإنجليزية عشرات الكلمات التي استعرضها المؤلف في الكتاب، وتبدأ بالحرف v تحمل معالم سلبية ، بحيث حينما يمر القارئ الإنجليزي باسم فولدمولت سيشعر بالشر الذي تضمره هذه الشخصية من اسمها فقط،.

اثر الترجمة على النص

ولذلك متى تظهر أهمية هذه الجوانب الخفية في النص الأدبي حينما يترجم؟ يعني تخيلوا أراضينا ترجمت سورة الضحى، ستختفي العلاقة المضطرده التي كانت بين الشكل والمضمون، لما انتقلت الآيات من المواساة إلى الأمر فاختلفت تبعا لهذا الانتقال قافية الآيات الصوتية من الألف الممدودة الى الراء القاطعة.

وهذه أحد الفروقات بين النص الأدبي والتقرير الخبري فاللغة في تقارير الأخبار هي مجرد وسيلة لوصول المعنى، ولذلك تفي الترجمة غالبا بنقل المعنى، بينما اللغة في النص الأدبي هي بحد ذاتها قيمة مقصودة، وتؤسس لتجربة القارئ، ولها وظائف قد لا يدركها، حتى المترجم.

واجيلتون كان مدركا لهذه النقطة، لكنه كان يرى خسارتها تظهر فقط في قراءة الأعمال الكلاسيكية، حينما نقرأ إنجليزية شكسبير مثلا التي تختلف عن إنجليزية اليوم، و لم يشر إلى الترجمة من لغة إلى أخرى والتي تظهر فيها الخسارة بصورة أكبر، طبعا هذا الجانب الصوتي في اللغة هو أحد الأمثلة التي تشرح علاقة الشكل بالمضمون في النص الأدبي وقد يكون ظاهرا في الشعر أكثر من غيره.

زمن الحكاية والخطاب

الناقد والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو في كتابه تأملات في السرد الروائي، تحدث مثلا عن مفهوم زمن الحكاية والزمن الخطاب فزمن الحكاية هي المدة التي استغرقتها أحداث القصة، بينما زمن الخطاب هي المدة التي استغرقتها قراءتي للحكاية أو المشهد، فمثلا لو قلت وُلد خالد، وبعد مرور ألف سنة حل وباء في العالم.

زمن الحكاية هذه ألف سنة، لأن أحداثها بدأت من نقطة ولادة خالد، ثم انتقلت لنقطة وقوع الوباء بعد مرور ألف سنة، بينما زمن الخطاب الذي استغرقته في قراءة هذا السطر هو 3 ثواني، هذا مثال على اختلاف الشكل على المضمون. حيث تمتد الحكاية لألف سنة بينما شكلها في ثواني .

أحيانا العكس فقد يصف اديب مشهد حادث اصطدام وقع في ثواني بوصف طويل في صفحات كثيرة تستغرق قرائتها زمن أكثر من الحدث نفسه مثل رواية بحث عن الزمن المفقود لبروست فالرواية ضخمة تقع في سبعة أجزاء ما قرأتها حتى الآن، لكن الشاهد أن الناشر لما استلم مخطوطة العمل رفضها، وقال قد أكون محدود التفكير، لكني لا أفهم كيف يكتب شخص ثلاثين صفحة حتى يصف لنا انه ظل يتقلب في فراشه قبل أن ينام.

هذا الزمن الذي تستغرقه في قراءة مشهد في قصة ما، والذي قد يتعمده الكاتب هو جزء من احساسك وتجربتك بالزمن، فكثير مما يحمله الأدب يتلقاه القاري بتجربة دون أن يدركها، هنا يأتي عمل الناقد الذي يتحدث عنه ايجلتون في الكتاب، ويحلل هذه العناصر ويناقشها، يخرجها من اللاوعي إلى الوعي.

ولذلك يرى المؤلف أن أكثر الأخطاء التي يقترفها طلاب الأدب تتمثل في اهتمامهم بمعنى ومضمون القصيدة أوالرواية وإهمالهم شكلها وأسلوبها، وهذا العنصر في الأدب يتطلب حساسية عالية تجاه اللغة كما رأينا.

مثال

فقد تعمد اللغة على سبيل المثال إلى الإقتصاد في كلماتها، فتخبرنا بمعلومات كثيرة من خلال كلمات قليلة جدا، وأحيانا تتعمد ألا تقول كل شيء، أو لا تقول الشيء مباشرة ففي رواية الساعة الخامسة والعشرون مشهد زوجة الكاهن امرأة متزنة، متدينة، هادئة، استدعاها الجنود الروس فترة الحرب العالمية إلى دار البلدية.

فدخلت دار البلدية، ثم لما خرجت منها شنقت نفسها، وكانت هذه العبارة تكفي لوصف فظاعة ما حدث لها، دون أن يكتب الروائي وصف ما جرى لها هناك، فالنص في هذا المشهد ماذا فعل؟ أشرك القاري في كتابته، لأنه رأى في الإبهام معنا أبلغ من التصريح كما يقول أمبرتو إيكو، أن كل نص هو أله كسول تتوسل إلى القاريء أن يقوم بجزء من مهامها ، وحذار إذا قال نص كل ما يجب أن يفهمه القارئ.

عموما ليس المقصد من كل ما سبق أن نختصر وظيفة اللغة في النص الأدبي بأدوار محددة. أو أن نقول بأن الإيجاز أهم من الاسهاب، أو فيما لو كان على شكل أن يتسق مع المضون أو العكس، ولكن المقصد أن نبين تأثير اللغة في النص الأدبي، وأن جزءا من عمل الناقد يتمثل في اهتمامه بالإجابة عن هذه الأسئلة، وهل خدمت النص أو لا.

خلاصة الفصل الاول

قبل أن أنتقل إلى فصول الكتاب الأخرى؟ أود أن أنوه إلى أن إيجلتون حينما عنون هذا الفصل بالافتتاحيات لم يكن يقصد به تقسيم أجزاء القصة أو الرواية أو النص الأدبي إلى افتتاحيات أو يشرح أهمية الاستهلال هذا الفصل هو لتسليط الضوء على دور اللغة في النص الأدبي، كما قلت.

لكنه اختار أن يطبق أفكاره ويشرحها من خلال استشهاده ببعض الافتتاحيات في الأعمال الأدبية، لأن الأديب عادة ما يولي اهتمامه الأكبر حينما يكتب في مستهل العمل، ثم قد يمل أو لا يهتم بالتفاصيل بنفس اهتمامه في أول الكتابة، فكان مناسبا الوقوف على هذه الافتتاحية.

الشخصية

في الفصل الثاني انتقل المؤلف إلى الحديث عن الشخصية في العمل الأدبي، فحاول أولا أن يشرح مفهوم الشخصية فأنا الآن لو سألتك عن شخصيتك أو شخصية صديقك أو صديقتك فغالبا لن تكون إجابتك هي سمات نشترك فيها جميعا، إنما ستجيب بما يميز أحدنا عن الآخر.

يعني لن تقل مثلا شخصيته أنه يأكل أو ينام، هذه سمات نشترك فيها جميعا ولا تعد جزءا من شخصيتنا أو علامة لنا، لكنك قد تذكر أنه ينام عند الحزن أو يتجنب أكل بعض الأصناف مثلا، فما يميز أحدنا عن الآخر أهم بكثير مما نشترك فيه، كما يقول المؤلف، وهو ما يميز شخصية في رواية عن شخصية أخرى.

هذا العنصر قد لا يدركه القارئ في وعيه، لكنه يشعر به في تجربته عندما يقرأ الرواية فيرتبط عاطفيا بشخصية ما في العمل الأدبي، أو يتماهى معها، ولا يعلم لماذا؟ وهذا مما تحدث عنه المؤلف، ولماذا يميل القراء أحيانا إلى الإعجاب بالنماذج غير السويه، أو الشخصيات الشريره ؟ كيف يبدو الخبث أكثر، فتنه وإغواءا في بعض الأعمال؟ وهذا يتطلب من الكاتب القدرة على التماهي مع شخصيات الرواية والتنقل بينها.

التماهى والتقمص

الكاتب والروائي إيطالي امبرتو إيكو أيضا يذكر في نفس الكتاب الذي استشهد به سابقا " تأملات في السرد الروائي" إنه لما أراد الكتابة عن شخصية في رواية له، وكانت هذه الشخصية تخرج في ليلة 24 جون وتمر على بعض الأزقة في باريس، وكان يسمى الشوارع والأزقة.

قال أمبرتو إيكو كنت من أجل كتابة هذا الفصل، أقوم في الليل وأسير في نفس المسار الذي ستمشي في هذه الشخصية وبحوزتي آلة التسجيل الصوتي، أسجل فيها كل انطباعاتي، ودرس حتى شكل القمر في تلك الليلة، وموقعه حسب السنة التي جرت فيها الأحداث حتى يتماهى تماما مع الشخصية التي سيكتب عنها.

ومن المواقف الطريفة أن أحد القراء حينما قرأ الرواية، بحث في الصحف الصادرة يوم 24 جون في نفس السنة التي جرت فيها أحداث الرواية، واكتشف حريق شب في نفس الليلة على الشارع الذي كانت تمشي فيه تلك الشخصية، فأرسل إلى أمبرتو إيكو. لماذا لا لم ترى الشخصية هذا الحريق؟.

هذا التماهي مع العالم المتخيل و الشخصية المتخيلة هي من سمات الأدب والرواية التي تسمح لنا كما يقول المؤلف، أن نعيد ابتكار تجربة غيرنا من بين البشر، وأن نكون قادرين على أن نتخيل وأن نشعر بألام وأفراح ودوافع من يختلفون عنا، وعلى فهم العالم من وجهة نظر الآخر دون أن تضطر الرواية إلى تلقيننا أي درس اخلاق بصورة مباشرة.

لكن المؤلف يرى ان الناقد يجب أن لا يتماهى تماما، ويتقمص شخصيات العمل الأدبي، بل يدعو إلى الإحساس بها، لأنك لا تستطيع أن تحكم على الشيء إذا تقمصته ستغلب عاطفتك عقلك النقدي، وهذا ما يحدث لنا أحيانا عندما نتعاطف مع شخصيات لا نتفق معها. لأن التقمص يهدد ملكات النقدية، ولكنك بحاجة إلى أن تحمل هذه الشخصية على مقربة كافية منك لتحكم عليها دون أن تكون قريبة جدا منك.

السرد

الفصل الثالث في الكتاب بعنوان السرد وهو من أجمل فصول الكتاب، يحاول فيه المؤلف أن يركز على جزء مهم جدا في أي قصة، وهو السرد، من الذي يحكي القصة؟ هناك أنواع من الرواة، هناك الرواه واسعو المعرفة أو الراوي العليم وهو الراوي الذي يفترض علمه بكل شيء يخص القصة.

فيحكي لنا أنه في يوم كذا حدث كذا، وهو ليس شخصية في القصة ، وهذا الراوي يفترض أنه يعرف كل شيء يخص القصة، وهو مصدرنا الوحيد لها، ويملك سلطة عالية، فمثلا لو قال هذا الراوي في القصة مات فلان لن يستطيع القاريء أن يعترض ويقول لأ لم يمت.

مادام على غلاف الكتاب كلمة رواية، فنحن تنازلنا عن حقنا في الاعتراف، لكن المؤلف يقول أن هؤلاء الرواة لا ينبغي أن يبقو من دون اعتراض حتى لو كانو مجرد أصوات تحكي القصة وليس الشخصيات في العمل، يعني تحتاج أن تحاكم، أن تشك أيضا في هذا الراوي لأنهم قد تكون لهم انحيازاتهم أوجهلهم .

فلو وصفت رواية بطلتها بأنها ذات عينين خضراوين، لن نستطيع الاختصام أمام هذا الخبر، ولكن لو أوحت لنا بأن هذه البطلة هي أكثر النساء شرا، هنا قد يتحقق القارئ من هذا الرائي ويحكم على ضوء الأفعال التي تقدمها الرواية، وما يتفق مع الراوي في رأيه فالرواية قد تكون لها انحيازاتها التي يستطيع القارئ أن يقف عندها.

أحيانا يكون الراوي الذي يحكي القصة هو أحد الشخصيات الموجودة فيها، وتروى القصة من وجهة نظره وهنا لا بد أن يتمثل السرد لغة هذا الراوي وعقله وشخصيته، فمثلا قد يكون الراوي طفلا أو مراهقا، مثل رواية الحارس في حقل الشوفان، أو رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة.

فالطفل هو من يروي القصة، فنرى الرواية من وجهة نظر الطفل المحدودة، وقد يفهم القارئ أن القصة أكثر من فهم هذا الراوي الذي يحكي القصة بمعني ان الطفل قد يروي مشهدا، هو لم يفهم لمحدودية تجربته، لكن القارئ البالغ يفهم مغزاه.

وبعض الرواه ولا يثق بهم يعني في إحدى روايات أجاثا كريستي، كان القاتل هو السارد نفسه الذي يحكي القصة، لكنه كان مستترا خلف عباءة السرد، فلم يشك القاريء فيه لأننا تعودنا أن السارد الذي يحكي القصة بريء، فالوقوف على الراوي الذي يحكي لنا القصة مهم جدا.

خلاصة الفصل الثالث

المقصد من كل هذا أن نعرف كيف تختلف تجربة القاريء عند قراءة النص الأدبي باختلاف السارد الذي يروي القصة لنا، هل هو راوي عليم؟ هل هو شخصية في الرواية؟ أي شخصية؟ في الرواية تحكي لنا قصة مع ان المضمون واحد، يعني القصة واحدة، أنا رويت لكم. قصة، لكن العمل الادبي يحمل ماهو أكثر من القصه فهناك السارد الذي غاب في روايته للقصة ورأينا كيف تختلف تجربتنا باختلاف السارد.

التفسير

الفصل الرابع بعنوان التفسير تحدث إيجلتون عن أحد المعاني التي نعنيها عندما نصف نصا ما بأنه أدبي، فهو يرى أن النص الأدبي غير مرتبط بسياق وتفسير محدد، فما الفرق بين قراءة قصيدة وكتيب يشرح كيفية عمل الثلاجة، كتيب تعليمات الثلاجة؟ ما يكتسب معناه الا في حالة محددة، حينما تحتاج إلى تشغيلها او إصلاحها.

لن تأتي في يوم تشعر بالملل، ثم تقول سأقرأ كتيب تعليمات الثلاجة، أو يأتي أحد بعد سنوات من تطور التقنية، ويعود لهذا الكتيب يفسر لنا رمزياته ومعانيه، فهذا لن يحدث، أما العمل الأدبي فهو غير مرتبط بسياقه الذي ظهر فيه حتى لو ظهر نتيجة لحدث معين

فانت حينما تقرأ رواية مثل رواية مزرعة الحيوان التي كتبت قبل حوالي مائة عام ، وهي قابل للتأويل والتفسيرات، تختلف، ولا توجد إجابة نهائية لها، مثل كتيب التعليمات.

القيمة

هذا يقودنا إلى الفصل الخامس والأخير بعنوان القيمة، والذي حاول المؤلف أن يجيب فيه عن سؤال مهم ،وهو ما الذي يحدد القيمة الأدبية للنص؟ وكيف نحكم على عمل أدبي بأنه جيد أو رديء؟ إيجلتون لم يستطع الإجابة على هذا السؤال تماما، إنما عمد إلى أسلوب التعريف بالنفي.

فكان ينفي من يربط الأدب بابتكار جديد، ويقول ليس كل ما هو جديد ذا قيمة، وينفي ربط القيمة الأدبية بالتعقيد، وما لا يفهم، وهذا مهم جدا، ويرى أن التعقيد لا يمثل قيمة في ذاته، فبعض الأعمال تكمن قيمتها في بساطتها المؤثرة، ويرى المؤلف أن الأدب الذي يسعى إلى تعليمنا هو أدب ممل.

وأيضا، ينفي المؤلف ربط القيمة الأدبية بالمتعة، ويرى أنك قد تستمتع بقراءة كتب لا تعجبك، وتعجب بكتب لا تستمتع بها لأن المتعة قضية ذاتية، لن يعترض أحد لأنك تستمتع بأكل التفاح، بينما الإعجاب بالنسبة لايجلتون هو تقييم فني.

لكن الإجابة التي لم يستطع تحديدها إيجلتون هي معايير هذا التقييم، وهو يميل إلى أن معايير الحكم بالجودة على أي عمل أدبي تختلف باختلاف النوع الأدبي، يعني لا يمكن الحكم على قصيدة في نفس الحكم على قصة خيال علمي بل بعض المعايير قد تختلف باختلاف الثقافات.

فيقول قد تحضر احتفالا من احتفالات قرى جبال الهملايا وقد تحكم على الحفل بأنه ممل أو مبهج، لأن هذا الاستمتاع قضية ذاتية كما قلنا، لكنك لا تستطيع أن تحكم على الاحتفال إذا كان قد نُفذ بطريقة جيدة أو لا، لأن هذا يتطلب منك أن تعرف معايير الجودة للاحتفال عندهم.

الخاتمة

بالنسبة لنا كقراء، أو بصفتنا قراءا قد يبدو من الصعب أحيانا أن تمتعنا أعمال لا تعجبنا أو العكس لأن أعجابنا، غالبا ما ينطوي على استمتاعنا، فما رأيكم لو تكتبوا لي في التعليقات، إن كانت هناك أمثلة على كتب أعجبتكم ولم تستمتعوا بها أو العكس، وشاركوا المراجعة والمقالة لأصدقائكم، ونراكم قريبا في مقالة اخري.
google-playkhamsatmostaqltradent