random
أخبار ساخنة

نقد كتاب الاقتصاد كما أشرحه لابنتي يانيس فاروفاكيس

الصفحة الرئيسية
كتاب الاقتصاد كما اشرحه لابنتي لا يشرح الاقتصاد لك كما لو كنت في الثامنة عشر أو الخامسة عشر من عمرك، لكنه يعرض الاقتصاد كما يشرحه أب لابنته كتبه المؤلف في تسعة أيام لابنته التي تبلغ من العمر آنذاك تسع سنوات، ولذلك تجنب في الكتاب المصطلحات الأكاديمية، واستعاض عن استعمال مصطلح الرأسمالية. بمصطلح مجتمع السوق.


كتاب الاقتصاد كما أشرحه لابنتي


 المؤلف يانيس فاروفاكيس هو اقتصادي سياسي وكاتب يحمل الجنسية اليونانية-الأسترالية. قضى سنوات عديدة كأستاذ للاقتصاد في المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يتولى منصب وزير المالية في اليونان في العام 2015. حاليًا، يعمل كأستاذ في علوم الاقتصاد في جامعة أثينا.

يمتاز مؤلفه بجمعه بين الاختصاص الأكاديمي والعملي، فهو أستاذ جامعي في العلوم الاقتصادية. وتولى وزارة المالية في اليونان، وإن كان قد ألف الكتاب قبل أن يصبح وزيرا للمالية بسنتين.

سؤال؟

بدأ كتاب الاقتصاد كما اشرحه لابنتي بسؤال مثير للاهتمام، خصص له المؤلف الفصل الأول، وهو لماذا كل هذا القدر من اللامساواة؟ لماذا يولد الأطفال جميعا عراة، لكنهم بعد ولادتهم مباشرة، يتفاوتون، فيرتدي بعضهم أتمن الثياب، في حين لا يجد آخرون إلا الثياب المهترئة. لماذا؟ لماذا؟ تنعم بعض الدول بالرخاء، في حين ترزح دول أخرى تحت الفقر. 

الإجابة البسيطة على هذا السؤال تقول إن البلدان الفقيرة فقيرة، لأن اقتصاداتها ضعيفة، والفقراء فقراء. لأنهم لا يملكون ما يمكن بيعه في السوق، أو يريده الآخرون، إذا ما دام الأمر يدور حول السوق والاقتصاد. نحتاج أن نفهم ما هو السوق، وما هو الاقتصاد،

السوق

أول خطأ سنرتكبه، كما يقول المؤلف. هو أن نعتقد أنهم الشيء. نفسه فالأسواق هي أماكن تبادل حينما تذهب إلى أي متجر، وتملأ عربتك بما تريد مقابل النقود. أو حتى المتاجر، الكتب الإلكترونية، التي هي سوق أيضا، لأن فيها هذا النوع من التبادل والأسواق موجودة لقرون قبل حتى اختراع النقود حينما كان أسلافنا يبادلون موزه مقابل تفاحة مثلا أو أي فاكهة أخرى، لكن هذا ليس هو الاقتصاد الحقيقي،

الاقتصاد 

 الاقتصاد يتطلب وجود أمر آخر. بدأ من لحظة اكتشاف الزراعة قبل اثناعشر ألف سنة قبل الزراعة حيث كان البشر يعتمدون في غذائهم بشكل كامل على ما توفره البيئة لهم بصورة طبيعية من صيد الحيوانات أو قطف الثمار التي لم يزرعوا أشجارها، لذلك كان اكتشاف الزراعة لحظة مهمة في تاريخ البشرية لأنهم امتلكوا القدرة على إنتاج الغذاء.

الفائض

وهذا الإنتاج الزراعي خلق ما يدعوه المؤلف بالعنصر الأساسي للاقتصاد الحقيقي. وهو الفائض، فزراعة الذرة والرز والشعير مكنت، البشر من حفظ الفائض منها للمستقبل بعد تغذية أنفسهم. على عكس بعض الثمار أو الصيد الذي يفسد، إن لم يستهلك في حينه.

هذا الفائض ساهم في ظهور الكتابة والدين والنقود والدول والبيروقراطية والجيوش، بل وحتى في ظهور الأوبئة والحروب البيولوجية. فأول أشكال الكتابة كانت في تسجيل مقادير القمح، لأن الفائض من الحبوب كان يودع في مخازن مشتركة يشرف عليها مراقب، وإذا ما أراد مزارع أن يأخذ حصته من الفائض الذي جمعه أثبتها للمراقب من خلال هذه السجلات الحسابية.

الديْن

هذه السجلات الحسابية تمثل البدايات الأولى للدين والنقود ، كيف كان العامل في الحقول يتلقى أجره من الحاكم من خلال أصداف يكتب عليها مقدار القمح الذي يستحقه؟ والقمح ربما لم يُحصد بعد، لكن هذا الصدف يثبت أن الحاكم مدين للعامل بهذا المقدار من القمح، المكتوب عليه وهذه فكرة الدين.

لكن هذه الأصداف صارت أيضا بمثابة العملات النقدية أو الوسيط، لأن العامل صار يستبدل أحيانا هذه الأصداف بمنتجات أخرى، وكلما كان المقدار المكتوب على الصدف أعلى، كانت قيمتها أكبر، واستطاع أن يستبدلها بأكثر.

العملات الافتراضية 

وهذه بالضبط هي فكرة العملات الافتراضية التي نتعامل بها اليوم، والتي يرى المؤلف أنها موجوده منذ ذلك الحين، فلم تكن العملات قديما مقتصرة فقط على العملات المعدنية من ذهب وفضة التي تحمل القيمة في نفسها، بل كانت أحيانا على شكل صدفة كتب عليها مقدار القمح الذي يستحقه حاملها.

لكن هذه الصدفة أو العملة الافتراضية تحتاج إلى أمر مهم جدا لتكتسب قيمتها ويقبل العامل بها كأجر، ويقبل بها الناس في تعاملاتهم. تحتاج إلى الثقة، أو الايمان ،لا بد أن يثق العامل والناس بأن مراقب مخزن الحبوب سيمنح بالفعل حامل الصدفه المقدار من الحبوب المكتوب عليها  وإلا ستفقد قيمتها، وتصبح كأي ورقة كتب عليها أي رقم. 

القوة والسلطة

كيف تكتسب هذه الأصداف أو العملة الإيمان والثقة من خلال وجود قوة أو سلطة يثق الناس بها وفي قدرتها على تسديد الحصص المستحقة من الحبوب في المستقبل؟ وهو ما يتمثل في الدولة التي تحتاج إلى موظفين لإدارة شؤونها العامة، والشرطة، وجيش لفرض قوتها، وأيضا لحماية هذا الفائض من التهديدات الخارجية.

فلاحظوا كيف ساهمت الزراعة في وجود الفائض، وساهم الفائض في وجود الدين والنقود، واكتسبت النقود القيمة والثقة من خلال وجود سلطة فهذه العلاقات المعقدة هي الاقتصاد، اقتصاد ظهر في مجتمع لديه فائض، هذا الفائض بالمناسبة لم يظهر في كل المجتمعات، لأنها لم تكن كلها بحاجة إلى الزراعة لوفرة الصيد والثمار، نسبة إلى عدد السكان. 

مثل مجتمعات السكان الأصليين في أستراليا وأمريكا الجنوبية، ولذلك لم تخترع الكتابة هناك مبكرا، وهذا من ضمن الأسباب التي ذكرها. المؤلف في تفسير غزو الأوروبيين للأستراليين وتغلبهم عليهم لافتقارهم إلى التقنيات التي ساهم في ظهورها اكتشاف الزراعة ووجود الفائض.

القيمة الاستعمالية والتبادلية

القيمة الاستعمالية هي المنفعة التي تكتسبها من السلعة أو الشيء. أما القيمة التبادلية فهو ثمنها في السوق اوقيمتها لو أردت أن تستبدلها بشيء آخر، والعلاقة بين القيمة الاستعمالية والتبادلية ليست طردية بالضرورة. فقد تكون القيمة الاستعمالية للشيء عالية جدا، وقيمته التبادلية متدنية جدا.

مثال

على سبيل المثال. الهواء أو الأكسجين اللي تستنشقوا الآن.قيمته الاستعمال عالية جدا، ستهلك بدونه، فهو يحمل منفعة كبيرة جدا، لكن قيمته التبادلية وثمنه في السوق صفر ما تدفع أي شيء مقابل هذا الهواء، وقل مثل ذلك في كثير من ممارساتنا اليومية التي تعود علينا بقيم استعمالية عالية ومسرات دون أن يكون لها بالضرورة أي قيمة تبادلية.

مشكلة الإقتصاد

المشكله، كما يقول المؤلف أن مجتمعات السوق التي نعيش فيها. تميل إلى تغليب القيمة التبادلية على الاستعمالية، بمعنى أن قيمة الشيء تقاس بقيمته التبادلية وثمنه في السوق بالمال الذي يتطلبه الحصول عليه، وكل ما كان أغلى كان أفضل، وتعتبر هذه المجتمعات كل ما لا سعر له، ولا يباع عديم القيمة،وهذا ما يدفعها إلى تسريع كل شيء،وهو ما يحمل تبعات خطيرة.

فالناس تحركها أحيانا القيمة الاستعمالية والمنفعة أو المسرة التي يحصلون عليها، وليس القيمة التبادلية. والتبرع بالدم أحد الأمثلة، فحينما قارنوا بين البلدان التي يمنح المتبرعون فيها الدم دون مقابل، مع البلدان التي يمنحونها مقابل المال، كانت الدماء الممنوحة في البلدان التي يتطوع المتبرعون فيها بالدم أكثر بكثير من التي يدفع لهم فيها.

لأن شعور الناس بسعادة مساعدة الآخرين وإنقاذهم لا يشترى ما إن يعرض المال وتطغى القيمة التبادلية على الاستعمالية. ينحسر ذلك الشعور وتصبح المسألة محكومة بقيمة السوق. فتسأل نفسك؟ هل يسوى أن أبيع دمي مقابل 100 ريال مثلا؟ ناهيك عن التفكير في الوقت وألم الإبرة وغيرها؟ وقل مثل ذلك في كثير مما نقوم به في حياتنا، حتى صارت هناك نظرة متطرفة تعتبر كل ما لا يحمل القيمة تبادلية أو لا ثمن له في السوق. عبث لا قيمة له.

السوق الأعمى

إن تبعات تغلب القيمة التبادلية على الاستعمالية تتجاوز الأفراد إلى مستويات أكبر، فتدمير الغابات على سبيل المثال، قد يكون من وجهة نظر قوانين مجتمعات، السوق تصرف لا إشكال فيه. إذا كانت هذه الشجرة لا تحمل أي قيمة تبادلية أو كان تدميرها سيحولها إلى سلعة ذات قيمة تبادلية. السوق أعمى عن القيم الاستعمالية، إلا من حيث إمكانية تسليعها.

رؤية المؤلف

يرى المؤلف أن مجتمعات السوق التي تعلي من شأن القيمة التبادلية هي مجتمعات تقلل من شأن الحفاظ على البيئة، وأننا إذا ما أردنا إنقاذ كوكبنا وأنفسنا. يتعين علينا أن نعيد تقدير البشرية للقيم الاستعمالية التي لا يعترف بها السوق، وربما لاحظتم من خلال العرض السابق. أن الكتاب لا يتطرق فقط إلى شرح الاقتصاد، ولكنه يناقش تطبيقاته وتأثيره في الحياة الواقعية.

حيث يطرح المؤلف فيه أفكاره الشخصية في كل فصول الكتاب. حينما شرح كيف تعمل البنوك وكيف يتم القرض، وكذلك حينما تحدث عن البطالة، أو توظيف الآلات محل البشر. وحينما ناقش عملة البيتكوين، كان يشرحها ويناقش تأثيرها على حياتنا الواقعية، لأنه يريد أن يؤكد لابنته. أن القرارات الاقتصادية تحدد وتؤثر في كل شيء.

نقد الكتاب

الكتاب يقع في 200 صفحة تقريبا من إصدارات دار الساقي، قد لا يشبع الكتاب فضولك حول الاقتصاد، ولكني، اظنه بداية تستحق القراءة. وتوظيف المؤلف للتاريخ، وبعض الأساطير والقصص رائع، كان سيقوي الكتاب لو كان فيه محاورات ومعارضات بينه وبين ابنته، حتى لو كانت مفترضة على نفس طريقة رواية عالم صوفي، لأن بعض ما استعرضه المؤلف شائك، ويحتاج إلى صوت يسائل أفكاره.

لكنك على الأقل ستخرج من الكتاب بنقطتين مهمتين، بالإضافة إلى ما سبق أولها. إنك لا تستطيع فصل الإقتصاد، الواقع، الحياة السياسية والاجتماعية، والنقطة الثانية أن الإقتصاد أعمق من تقطيره في نماذج رياضية، كما تفعل الفيزياء، مثلا وسط الطبيعة، لأن ظروف الإقتصاد متشعبة ولا يمكن التحكم فيها أو حتى توقعها تماما، ويؤثر في الإقتصاد أحيانا تفاؤل الناس أو تشاؤمهم.

اقتباس

من الاقتباسات اللي اتذكرها وظلت عالقة في ذهني طويلا، رسالة وصلته من صديق يقول فيها
  أسوأ ما يمكن أن يحدث لشخص ما، هو أن يبلغ اليأس به مبلغ بيع روحه للشيطان، فيكتشف أن الشيطان لا يشتري
google-playkhamsatmostaqltradent