توقفنا فى الجزء الاول من مراجعة كتاب لماذا ننام للكاتب الفرنسى ماثيووكر عن مراحل النوم وذكرنا أن النوم يمر بمرحلتين أساسيتين هما نوم حركة العين السريعة أو نوم الأحلام ونوم إنعدام حركة العين السريعة أو النوم العميق وذكرنا أن الدماغ يصدر أوامر لبعض أجزاء الجسم بالتوقف عن الحركة أثناء الأحلام أو مايسمى بالأتونيا، وسنستكمل معا إن شاء الله باقى مراجعة الكتاب فى هذه المقالة.
النوم بنصف دماغ عند الحيوانات
بينت الابحاث أن مرحلة نوم إنعدام حركة العين السريعة أو النوم العميق موجودة بالفعل عند كل نوع حيوانى موجود على الأرض ،لكن نوم حركة العين السريعة أو نوم الاحلام لا تظهر مثلا لدى الحشرات والبرمائيات والأسماك ولكنها تظهر فقط عند الطيور وبعض الثديات لأن الثديات مثل الحيتان والدلافين ليس عندها أيضا هذا النوم.
وبعضهم يرى السبب لأن الدماغ كما ذكرنا سابقا يشل الجسد ويجعله مسترخيا تماما فى هذه المرحلة من النوم ،لذلك لا يظهر هذا النوم على الثديات البحرية لان السباحة أمر جوهرى لها حتى تصعد للسطح وتتنفس ، لذلك لا تنام إلا النوم العميق أو نوم إنعدام حركة العين السريعة وحتى إن كانت العضلات مسترخية قليلا فأن هذا النوع من الثديات ينام نوم عميق بنصف دماغ فقط .
وهذا النوع من النوم العميق بنصف دماغ فقط موجود أيضا لدى الطيور لتساعد هذه الطريقة فى النوم الطائر عندما يكون وحيدا أن ينام بنصف دماغة مع العين المرتبطه قبه ويظل النصف الأخر مستيقظا مع العين الأخرى المرتبطة به فيظل متنبها للأخطار الموجوده فى البيئة المحيطه به .
والأمر الذى يدعو للإهتمام أكثر أن الطيور حينما تكون مجتمعه فى سرب واحد تنام بعضها بشكل كامل ألى أن كل الدماغ يغرق فى النوم بإستثناء الطائرين على الأطراف تنام بنصف الدماغ فقط لأنها بمثابة عين السرب وفى لحظة يعودان داخل السرب وينامان نوما عميقا بشكل كامل ويأخذ ادوارهم طائران أخران.
النوم بنصف دماغ عند الإنسان
خرجت دراسات حديثة تشير الى أن البشر يمتلكون نسخة بسيطة جدا النوم بنصف دماغ ويحدث لنفس الأسباب التى ذكرناها مع الأسماك والطيور ،وهذه الظاهرة لاحظوها ندما قارنوا بين الموجات الدماغية لشخص نائم فى بيته فى مرحلة إنعدام حركة العين السريعة أو النوم العميق وبين شخص نائم فى فندق أو بيئة نوم غير مألوفه له.
فقد لا حظوا ان الدماغ فى الحالة الثانية عندما نام فى الفندق كان نوم أحد نصفى الدماغ أخف قليلا من نوم النصف الأخر وكأنه حارس يبقى قدرا قليلا من الإنتباه وكلما ذاد عدد الليالى الذى ينامها المرء فى المكان الجديد يميل دماغه للتماثل فى الموجات أثناء النوم ،وهذا قد يفسر حالة عدم النوم بشكل مريح لو غير الإنسان مكان نومه.
عدد ساعات النوم عند الإنسان والحيوان
يختلف الإنسان عن الحيوان فى عدد ساعات النوم فتحتاج أجسامنا الى النوم لمدة ثمانى ساعات بينما لا تنام الأفيال أكثر من أربع ساعات فى اليوم فى حين ينام الخفاش 19 ساعة ، ومازالت حتى الان الدراسات عاجزة عن تفسير هذه الفروقات لأنها تدخل فيها عدة عوامل كنمط الغذاء هل هو عشبى او لحمى ، التوازن البيئى ، إجتماعية الحيوانات من عدمها ،بالإضافة الى درجة تعقيد الجهاز العصبى.
من أين يأتى الشعور بالنوم
لو كنت تقرأ هذه المقالة وأنت فى قمة يقظتك لماذا بعد مرور وقت معين تشعر بالنعاس حتى لو كنت جالس مكانك لا تبذل أى مجهود ، من أين يأتى هذا الشعور بالنوم؟ ماالذى سيختلف فى ساعة قرائتك للمقال ولا يكون موجودا أثناء رغبتك فى النوم ؟هل فكرت يوما فى ذلك وسألت نفسك هذا السؤال لماذا أشعر بالنوم الأن ؟ هناك عاملان يقرران اليقظة والنوم .
العامل الاول للنوم
هو الإيقاع الداخلى أو ما يسمى بالساعة البيولوجية والعامل الثانى هو ضغط النوم ولنبدأ أولا بالعامل الأول وهو الإيقاع الداخلى أو الساعة البيولوجية فكل كائن بشرى لديه إيقاع ثابت من أربع وعشرين ساعة والمسؤول عن هذا الإيقاع هو نواه صغيرة جدا فى قلب الدماغ لكنها هى التى تتحكم فى الساعة البيولوجية.
وتختلف هذة الساعة البيولوجية من شخص لأخر فهناك أصحاب النمط النهارى الذين يتركز نشاطهم فى النهار ويمثلون أربعين بالمئة من الناس ويسميهم المؤلف (عصافير الصباح )، وهناك أصحاب النمط المسائى والذين يتركز نشاطهم فى الليل ويمثلون ثلاثن بالمئة من الناس ويسميهم المؤلف( بومات الليل)، وهناك ثلاثين بالمئه من الناس ما بين هذين النمطين.
فالساعات البيولوجية ليست واحدة وهذا التباين ساعد أسلافنا لأنهم كانوا ينامون ضمن عائلات أو قبائل فى مجموعات فلو كانوا ينامون ويستيقظون فى نفس الوقت لبقيت الجماعة فى بعض الفترات بلا حماية ،فبأمر من هذه النواة التى تتحكم فى إقاعنا اليومى تفرز الغده الصنوبرية هرمون يعرف بهرمون (الميلاتونين ).
يبدأ مستوى الميلاتونين فى الإرتفاع بعد غروب الشمس وحينها يعرف الجسم أن الظلام قد حل وعندما يبدأ النوم يتناقص تدريجيا مستوى الميلاتونين خلال الليل وعند دخول ضوء الشمس بعد الفجر حتى لو كانت الأجفان مغمضه يتوقف إطلاق الميلاتونين فى الدم فتحين نهاية النوم، ولذلك أكثر الناس معاناه للساعة البيولوجية هم أصحاب السفر الطويل.
إذن تعتمد هذه النواه المسؤولة عن إفراز الميلاتونين والتى تحدد الساعة البيولوجية لكل فرد على الضوء ولذلك كانت تنام الناس فى القرى قديما فى وقت مبكر بسبب عدم وجود الكهرباء عندهم اما الان وبعد دخول الكهرباء فى كل مكان أصبحوا لا ينامون مبكرا بسبب وجود الضوء بشكل مستمر عندهم ومع إنتشار الأجهزة الذكية إختلفت اعتهم البيولوجية عما كانو فى السابق.
تجربة تثبت أثر الضوء على النوم
واحدة من التجارب التى نقلها المؤلف ونتيجة هذه التجربه مهمه لنا كقراء ، وضعوا مجموعة من البالغين الأصحاء فى بيئة مختبرية بعد ماقسموهم لنصفين ، النصف الاول كانوا يستخدمون الأى باد فى قراءة كتاب قبل عدة ساعات من نومهم والنصف الاخر يقرأون من كتاب ورقى.
بعد مرور خمس ليالى وجدوا ان قراءة الكتاب على الأى باد مقارنة بالكتاب المطبوع كان يعيق إفراز الميلاتونين بنسبة خمسين بالمئة وأنها أجلت إرتفاع مستوى الميلاتونين بنحو ثلاث ساعات عن إرتفاعه الطبيعى عند الأشخاص الذين كانوا يقرأون من كتاب ورقى ولذلك إستغرقوا زمنا اطول قبل التمكن من النوم لأن مستوى الميلاتونين لم يبلغ ذروته إلا بعد ساعات متأخره ، وهذة النتيجة قد تنتصر للذين يفضلون الكتب الورقية عن الكتب الإلكترونية.
النوم عند المراهقين
عندما يصل الإنسان لسن المراهقة يتقدم هذا الإيقاع عنده عن الإيقاع عند الأباء والأمهات فيكون إبن ستة عشر عاما غير راغب فى النوم عند التاسعة ليلا لأن ذروة اليقظة مازالت حاضرة بينما مستوى الميلاتونين تكون قد إرتفعت عند الوالدين ،لذلك يهاجم المؤلف موقف الاهل والمجتمع عدم إدراكهم لهذا الإختلاف ويعتقدون ان تأخر المراهق فى النوم عنهم هو خيار واعى وليس حاجة بيولوجية له.
العامل الثانى للنوم
ذكرت لكم ان هناك عاملين يؤثران فى النوم ، الاول هو الإيقاع اليومى من خلال هرمون الميلاتونين ، أما العامل الثانى هو ضغط النوم الذلى يتشكل من خلال مادة كيميائية تسمى الادونيزين ، هذه المادة تتراكم فى دماغك الان فى هذه اللحظات التى تقرأ فيها المقال وتستمر فى التراكم مع كل دقيقة تمر عليك .
وحينما يصل تركيز الادونيزين الى الذروة تستولى على الإنسان رغبة لا تقاوم فى النوم ويحدث هذا لدى أكثرالناس بعد فترة تتراوح من 12: 16 ساعة من الإستيقاظ ،وهنا تجدر الإشارة، أن هاتين القوتان التى تحدثنا عنهم الإيقاع الداخلى وضغط النوم والتى توثران فى عملية النوم هما نظامان منفصلان لا علاقة لأحدهما بالأخرحتى لو كانت كلها تصب فى إتجاه واحد.
أقرب مثال قد يوضح لنا هذه العلاقة لو سبق لاحدكم جرب السهر لأكثر من أربع وعشرين ساعة فقد يكون قد لا حظ ظاهرة غريبة وقتها فإذا إستيقظت مثلا فى الساعى السابعة صباحا ستشعر بنعاس فى منتصف الليل يدفعك للنوم ولكن إذا كان عندك إختبار فى اليوم الثانى ولم تنهى مذاكرة مادة معينة.
فسهرت تلك الليلة بعد صعوبة فى التغلب على ذلك النعاس وواصلت حتى اليوم الثانى وحتى جائت السابعة صباحا فمن المفترض وقتها ان مستوى الادونيزين قد تراكم اكثر وانه الان أعلى مما كان عليه عند منتصف الليل لانك اكملت أربع وعشرين ساعة من الإستيقاظ ، لكنك على العكس من ذلك وخصوصا عند منتصف النهار تجد أن شعورك بالنعاس صار أقل من شعورك به عند منتصف الليل.
وحينها تسأل نفسك ما الذى حدث لماذا صار شعورى بالنوم أقل؟ والسبب فى ذلك أن الساعة البيولوجيه الان تدفعك لليقظة لا للنوم ومستوى الميلاتونين قد تناقص فى الدم عندك وتفسير هذا انه عند منتصف الليل كانت كلتا القوتين الميلاتونين والأدونيزين يدفعاك الى النوم لكن الان صارت قوه واحدة فقط هى التى تدفعك للنوم.
أهمية النوم ثمانى ساعات
يقول المؤلف فى كتابه تخيل لو أنك قرأت هذا الإعلان " إكتشف العلماء معالجة فورية جديدة تجعلك تعيش عمرا أطول إنها تقوى ذاكرتك وتجعلك أكثر إبداعا وتبدو أكثر جاذبية إنها تحافظ على رشاقتك وتقلل رغبتك فى الأكل إنها تحميك من السرطان والخرف وتبعد عنك الإصابة بالرشح والإنفلونزا،كما تقلل خطر إصابتك بالسكتات والنوبات القلبية فضلا عن داء السكرى وستصير أكثر سعادة وأقل إكتئابا وقلقا فهل أنت مهتم بالأمر؟ تخيل معى لو كان هذا الدواء موجودا بالفعل لكانت الناس إشترته بمبالغ كبيرة، ويتابع المؤلف ان هذه المنافع يحققها لك النوم الكامل .
خطر النوم أقل من ثمانى ساعات فى اليوم
هناك اكثر من 17000 تقرير علمى يثبت خطورة النوم لمدة أقل من ثمانى ساعات وإستعرض المؤلف فى كتابه كل منفعة وشرح كيف يؤثر النوم فيها ونقل بعض التجارب التى تم إختبارهذه الدراسات فيها ونقل تجارب أخرى تثبت أن الإكتفاء بساعات أقل من النوم تساهم فى الشيخوخه المبكره والخرف .
إن إعتيادك على النوم أقل من 6 ساعات يضعف جهاز المناعة ويزيد خطر إصابتك بالسرطان أكثر من ضعفين ، حتى إن منظمة الصحة العالمية تصنف نوبات العمل الليلية من بين المسرطنات المحتملة ، وفى حوادث السيارات تزداد إحتمالية وقوعك فيها ضعفين لو نمت أقل من 6 ساعات وأربعة أضعاف لو نمت أقل من 5 ساعات وإحدى عشر ضعفا لو نمت اقل من 4 ساعات.
الأشخاص البالغين الذين يكون عمرهم 45 سنة او أكثر ممن يكتفون بست ساعات من النوم ى الليل معرضون بإحتمال الإصابة بسكته أو نوبه قلبية بنسبة 200% أكثر من الذين ينامون من سبع الى ثمانى ساعات ، إن الخطر الناجم من حرمانك من النوم يعادل حرمانك من الطعام.
ثمة تجربه قاموا فيها بحرمان الفئران من النوم على إمتداد أسابيع متواصلة فوجدوا أنها ماتت بعد خمسة عشر يوما وهى نفس المدة التى تموت فيها لو حرمت من الطعام ، وهذا مادفع بإدارة كتاب جينيس للأرقام القياسية العالمية الى عدم قبول تسجيل محاولة كسر الرقم القياسى للحرمان من النوم بعد ماتبين من ادلة علمية كثيرة تثبت الضرر الشديد الناتج عن قلة النوم .
الشعور بأضرار قلة النوم
إن المشكلة الحقيقية أننا لا نشعر بخطورة قلة النوم ومقدار الأذى الذى يصيبنا بسبب النوم أقل من ثمانى ساعات فربما تلاحظ أن ذاكرتك صارت أضعف مما كانت علية لكن هناك أضرار كبيرة وكثيرة أخرى تصيبك وأنت لا تشعر ، والاخطر من كل هذا ماأشار إاليه لمؤلف فى كتابه وهى الذهنيه التلى يشيع التشدق بها أحيانا.
فهناك الكثير من الناس تنظر لقلة النوم كنموذج للنجاح على الرغم من كل الأخطار المثبته من قلة النوم ، فنقرأ مثلا ان أحد الأشخاص كان لا ينام إلا أربع ساعات فقط فى اليوم ونعد هذه التجربة نموذجا للرجل العصامى الناجح ، وقد كنت أنا شخصيا من الواقعين تحت تأثير هذا النموذج وكنت أنظر لساعات النوم الطويله وكأنها لحظات من العدم وضياع الوقت ويؤنبنى الضمير عليها.
مع أن الدراسات أثبتت ان إنتاجبة من ينامون من سبع الى ثمانى ساعات أعلى ممن يكتفون بساعات أقل ، فعلى سبيل المثال خطر إرتكاب الجراح غلطة طبية خطيرة تزداد بنسبة 170% لو نام فى الليلة السابقة من إجراء العملية أقل من ست ساعات بغض النظر عن مهارته وخبرته .
الخلاصة
هناك وعى جيد عند الناس بأهمية الرياضة والغذاء الصحى لكننا لانجد هذا الوعى نفسه للنوم الجيد مع انه لا يقل أهمية عنهم أبدا، وقد كنت اتمنى أننى لو قرات هذا الكتاب فى مرحلة مبكره من عمرى ليزداد وعينا بأهمية النوم لكنه للأسف لم يتم نشره إلا فى عام 2017
إذا أعجبتكم المراجعة أرجوا ان تشاركوها ليستفيد الجميع من محتوى هذا الكتاب.